بكل صراحة لا أحب رفقة أم زعزع في جولاتها المكوكية إلى بيوت الجارات والصديقات، وكل من وقعت في طريق أم زعزع.
إلا أنني أضطر أحياناً بالقوة إلى مرافقتها، فمن يستطيع أن يقول لا لأم زعزع.
جاءتني متحمسة ومتأنقة، ورغم ما تحمله من كتل دهنية في جسدها، إلا أنها رشيقة الحركة، يتحرك كل شيء فيها عندما تأخذها الحماسة للقيام بنشاط إجتماعي، شدتني من ذراعي وقالت: هيا أم راتب تنتظرنا.
ولأني أعرف ماذا يعني دخول أم زعزع إلى المنازل والبيوت فأعرف أن أم راتب لا تنتظرنا، بل ربما تدعو أن يحدث لنا أمر عارض، فلا نصل إلى عتبة منزلها.
وقفت أم زعزع على رأسي وهي تردد: هيا أسرعي، فهي لا تريد أن يفوتها شيء من الإستقبال النسائي، فركبت على أجنحة أم زعزع، وطرنا حتى وصلنا بيت أم راتب.
كانت الجارات والصديقات قد أخذن مقاعدهن، وعندما رأيننا تعدلن في جلستهن، فالقادم هنا.. أم زعزع.
وقبل أن أهرب بجلدي كانت يداها القويتان قد طالتني وألصقتني بها بغراء سائل من نوع UHU، ثم بدأت تبدي ملاحظاتها عن الموجودات: هذه أنفها قد طال وإستطال، وتلك عينيها قد إحوّلت من عجقة الأي لاينر على جفنيها، وهذه تدورت وتكورت وتراهن أم زعزع على أنها من شدة تكورها لم تدخل المجلس برجليها، وإنما تدحرجت وتعثرت، وتلك التي تجلس بجانبها لها شعر كشباشيل الذرة، يفصلها عن الصلع شعرتان ونصف الشعرة.
أما أنا فكنت أحاول توزيع الإبتسامات في وجه كل من تقع عليها عينا أم زعزع لعلي أخفي عنهن سموم كلماتها، أو أوحي لهن بأننا نتحدث عنهن بكل خير، لكن ذلك كان ضرباً من الجنون، فمن يعرف أم زعزع يتنبأ بحديثها.
تابعت حديثها مستدركة ما فاتها المرور على حرماتهن، إذ لم تسلم أي من الموجودات من إنتقادات أم زعزع أو ملاحظاتها، هكذا أمضينا الوقت حتى حان موعد الرحيل.
وقفت عند الباب لوداعها لكن مفعول الغراء لم ينته، ووجدت نفسي عنوة في سيارتها، وقد أصرت على توصيلي بعد أن أشارت للسائق بالتوجه إلى منزلي.
اتجهت كلياً إلى نافذة السيارة أسترق منها هواء نقيا عكرته أم زعزع بحديثها: هل رأيت منزلهم؟..
أجبت بسذاجة منزل من؟
أم زعزع: منزل أم راتب.
نعم رأيته
أم زعزع: ما رأيك به؟
جميل.
أم زعزع: ما الجميل فيه! لا أثاث ولا تحف.
نعم لكنه مرتب.
أم زعزع: أم راتب ذوقها ليس براتب.. يعني بالعربي المشرمحي ذوقها بلدي.
لا أوفقك الرأي.
أم زعزع تحرك أرنبة أنفها: ألم تشمي عندهم رائحة غريبة!
رائحة ماذا؟!
أم زعزع: رائحة لم تعجبني، لذلك لم أستطع أن أتناول أي شيء مما قدمنه لي.
همست داخلي: وما الذي يعجبك يا أم زعزع!
نظرت إلي وكأنها قرأت أفكاري، ثم أخذت تتمطى.
أولى لك فأولى، ثم أولى لك فأولى، أتحسب أم زعزع أن تترك سدى، ألَمْ تكوني نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كنت عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فكيف وقد خُلقت من ماء مهين تتحدثين عن نظافة الناس ومنهم تقرفين!!!
تقاطع أفكاري مقلبة شفتيها أصلاً ما الذي قدمنه، كأس من العصير وفنجان قهوة!؟.. كيف يستطيع هؤلاء الناس الإكتفاء بتقديم ضيافة هزيلة!
ـ ملاحظة: لمن لم يزر أم زعزع في منزلها، فهي أيضا تكتفي بتقديم العصير وإنما تستبدل فنجان القهوة بكوب من الشاي!
أما فيما يخص بيوت الجارات والمعارف، فصحيح أني لم أزرها كلها، إلا أنني أعرف عيوبها جميعاً وأتخيل شكلها بل ورائحتها من وصف أم زعزع لها، فهي تمضي حياتها من بيت شآع لبيت رآع، شطاطة نطاطة تنتقل من بيت لآخر ولو بالشحاطة، وتسجل ملاحظاتها وإنتقاداتها عن كل بيت يفتح لها أبوابه، بدل أن تشكر لهم حسن إستقبالهم وإستضافتهم لها.
أم زعزع التي لديها، بحسب ما تقول: وسواس النظافة، وهو ليس وساوساً مرضياً حتى ندعو الله أن يشفيها منه، وإنما وسواس إصطناعي من زمرة -ياي أنا أقرف من كذا وكذا- وبالتالي فهي تصنف من حولها بحسب مزاجها ما بين نظيف وغير نظيف.
أما المفاجئ بالأمر، أني اكتشفت بالصدفة أن أم زعزع تخرج من دورة المياه دون أن تغسل يديها إن كانت خارج منزلها، والسبب بحسب ما بررته لي عندما رأتني مستهجنة فعلتها، أنها تقرف من لمس مفتاح صنوبر المياه، وبدلا من أن تفكر في غسله عند غسل يديها تُبقي يديها نجستين.
للأسف كثير من الناس الذين يدّعون الوسوسة، ويقرفون من الناس معتقدين أنهم نموذج للنظافة، لا يكونون بذلك القدر من النظافة، ولو تتبع الناس عوراتهم كما يفعلون، سيكشفون لهم مدى القذارة التي هم عليها.
الكاتب: سلام نجم الدين الشرابي.
المصدر: موقع لها أون لآين.